منتديات ستار لوك
منتديات ستار لوك
منتديات ستار لوك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ستار لوك


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 خرائب الأزمنة الفصل 6

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
BaSmA iBrIz

BaSmA iBrIz


انثى عدد المساهمات : 1387
تاريخ التسجيل : 04/03/2011
العمر : 25
الموقع : /https://starlook.alafdal.net

خرائب الأزمنة الفصل  6 Empty
مُساهمةموضوع: خرائب الأزمنة الفصل 6   خرائب الأزمنة الفصل  6 Emptyالخميس 23 يونيو 2011, 14:23

<table style="table-layout:fixed;"><tr><td id="cell_1047012855">


الفصل السادس

-الرحيل-‏

اقتلع آل
الجعفي جذورهم من غويران الوطا، بعد أن مكثت آثارهم ومواضع أقدامهم وعنكبوت
أحلامهم في ذلك البيت المبني من الدفش والحجارة غير المصقولة، الذي أقامه
الأب إبراهيم الجعفي تحت التوتة منذ أكثر من عشرين عاماً بمساعدة محمود
مبارك. شعرت وطفا بأن قلبها يتصدع وينخلع من مطرحه، حينما حملت المواعين
على ثلاثة دواب من الحمير المستعارة، ووضعت فرشهم المهترئة فوق ظهورها،
وصار قطنها الأصفر يتطاير من بين الرقعات الممزقة، وحملت صناديق منخلعة
بقايا أغراض قديمة فوق الدابة الفتية. اجتمع سكان غويران الوطا حول
الراحلين. بكت هلوك الغاوية وانتحبت ابنتاها نجلاء ولمياء، وأسرع سرحان
الخليط وأولاده إلى الوداع وتبرع جابر ابنه بأن يوصل الفرشات والمواعين إلى
مقر العائلة الجديد، ويعيد الحمير إلى أصحابها، وأقسم أيوب السارح أنه
سيهاجر معهم، لأنه لا جذور له هنا بعد اليوم، بعد أن طُبَقّت حظيرته في
الشتاء المنصرم. وتناهى صوت الرحيل إلى مسامع نبيل السواحلي فغمرته موجة من
الحزن، واستفهم عن الجهة التي يقصدونها في رحيلهم، واستقرت في ذهنه خاطرة
أنه ينتقل بعدهم إلى مدرسة قريبة من منزلهم الذي يحلون فيه. أما الشيخ
محمود مبارك فكان أكثر المودعين الذين أظهروا تأثراً. كان يحملق في حسرة
بأرداف وطفا، وفستانها المكشكش وزنارها الحريري الذي كان يحتضن خصرها الذي
ما زال أهيف يومئ بالغواية. كانت كلما مشت في خطواتها، أحس بأن ماضيه ينبش
مدافنه، وتبدو عارية أمامه في مهب ريح الشعرا تحت الجفنة، منذ ثمانية عشر
عاماً زاحمها، كانت تحتطب في الغابة، ورائحتها الفطرية تنتشر في خياشيمه،
تغلغل جسده بكل عنفه وانتصابه إلى تلافيف جسدها الفتي، واعتصره وانسابت
الرعشات وتناغمت أوراق الحور المصفقة مع رعشاتهما. حملق من جديد بأولاد
إبراهيم الجعفي وهمس في داخله وهو يودعهم إلى ما وراء التلال: (أي منهم
يسري فيه دم آل مبارك أكثر؟! لا أدري كم مرة انغرزت فيها، ما زال حنيني
إليها مجنوناً. لماذا يا إلهي. لا ندرك حضور الأشياء في اشتعال إلاّ بعد
إيذانها بالرحيل عنا؟ لماذا ألهب الرحيل في أعماقي كل هذه البراكين؟! وأين
كان راقداً كل هذا العاصف من المشاعر) أوغل معهم في سفرتهم، حتى اختفت
معالم غويران وتضرع إليه الراحلون أن يعود أدراجه وأمسك به الأب الجعفي من
قمبازه وقال له:‏


لا يليق بك
وبمشيختك وانتمائك إلى آل مبارك أن تذهب في وداعنا أكثر من ذلك، ولن ننقطع
أبد الدهر عن غويران وجيراننا القدامى. برزت أمامهم تلة هي آخر حدود
غويران وتشبث الشيخ أنه سيودعهم على سفحها الشرقي. وتثاقلت وطفا في مشيتها
عن الركب حتى صارت بمحاذاته وأسرَّت بكلمات مؤنبة إليه.‏


ارجع إلى
مشيختك كفانا ما لقينا منكم آل مبارك والدهر غول يبتلع كل شيء ولن تنقع قرن
خرنوبك فيّ بعد اليوم ونحن قاصدين قرية عين الغار وراء تلك التلول
العالية.‏


أسرعت تغيب
في الركب. انزوى وراء صخرة تكللها جفنة شبيهة بتلك التي زاحمها فيها منذ
زمن، وامتلكها، أقعى كذئب مجروح وتأمل قافلة الرحيل التي غدت تغيب وتظهر
وراء الجوبات الجبلية، فطفرت من عينيه دموع، وسالت على قمبازه الحريري،
وانحنى كمن يعتصر على طاحونة وانحل الشاش، وسقط الطربوش عن رأسه، ونظر في
النبع الجاري تحت أقدام الصخرة، ولمح صورته تنعكس في الماء، تحت شعاعات
الشمس، وأنتابه خوف همجي، وسمع ضحكات من خلفه لها رنين السنين الخوالي،
واعتراه طوف من الذكرى، ونزل إلى قيعان خفية، وتلامح وطفا تسبح عارية في
بحيرة الأعماق التي يتناثر رذاذها الأبيض، فيمتزج مع إشراقه جسمها البض،
ويحاول أن يسبح خلفها ليمسكها، ولكنها تستحيل يمامة برية تهدل فوق البحيرة
وترفرف بجناحيها فوقه، وتطير في البعيد البعيد وراء مسالك وبراري بلون
الزمن الذي يمضي ولا يرجع. وتعالت الضحكات من حوله، الماضي يزحف بأشيائه
التي لا تنسى، وطعمه الراحل الذي لا يعود، والحاضر المفعم بالأسف على
مشخصات حلوة تلاشت في غمرة الرحيل، والمستقبل المسدود لا يمنح لمعة أمل في
نسيج حياته المكرورة، عرج على أعلى الرابية، ليلتقط آخر نظرة من هذه
القافلة التي عبرت غابة الصنوبر، وصعدت إلى السفح الذاهب إلى عين الغار.
والتفت أيوب السارح إلى وراء المشخصات فابصر الشيخ محمود مبارك يلوح بيديه
في فراغ مجنون وقد انحسر رأسه فاقترب من الأم وطفا وهتف في سخرية:‏


-يبدو أن
أزمة السويداء تتلبس الشيخ وأن عاصف الماضي يخلعه من شروشه، أسرعوا لِنُغيب
قبل أن يخلع ثيابه كلها، ويلحقنا شبحاً عارياً، فنحمل تبعات ضياعه وسط هذه
الشعاب الصخرية التي لا ترحم- نظرت وطفا إلى أعلى الرابية، التقطت صورة
الشيخ وهو يلوح بيديه في فراغ الشعرا، فتصدع شيء في داخلها وغمرتها أحاسيس
مفاجئة مقتولة بالرحمة. شرقت بالدمع، اختلت خلف شجرة عزر، بحجة أنها تقضي
حاجة، أفرغت شحنة عواطفها في دموعها المترقرقة، ومسحتها بمنديلها القزي،
وهرولت تخب في المسالك. أمسك /غيلان الجعفي، بشبابته برجاء من أيوب السارح
وراح ينفخ فيها، ويلهبها ذوب مشاعره، وانطلقت ترانيم ساحرة من حنجرة رباب
ذات الصوت الحنون:‏




طريق عين الغار يا مسلي الحبابا‏



سكابا يا دموع العين سكابا‏



تداعت إلى
أيوب السارح صور كانت راسبة في قعر الذاكرة، عنت له نفحات العرار ورائحة
الخزامى أثناء عبوره بوادي نجد، يوم كان هارباً من مقبرة الأناضول، وتائهاً
مع رفاقه في الفلوات. لم يفهم لماذا سطعت هذه الرائحة في خياشيمه مع
إيقاعات سكابا في ثقوب الشبابة الرعوية وغناء رباب، وتغلغل في داخله
سائلاً: لماذا تداعت إليّ نفحات الخزامى والعرار من غيابة الزمن وحدها دون
غيرها، وفي مخيلتي ملايين الصور والرعشات. ياه. ياه!؟ ما زلت غامضاً عني
بعد رفقة طويلة من المصاحبة والعراك مع الأيام أيها الشبيه بي، الكامن
هناك- هناك في خفاياي المجهولة) هلوسته خاطرة أن يقطف باقة من البنفسج
المتخفي وراء صخور ناعمة تنزلق فوقها الأقدام بسرعة تملاه إبراهيم الجعفي
صارخاً:‏


-يظهر أني سأفقد عقلي وتوازني إذا بقيت معكم، أو أشرب من نهر الجنون الذي تتردون فيه، أهذا وقت قطف الأزاهير ونحن في سفرة مضنية.‏

اختفت
الخاطرة في ذهن أيوب السارح واكتفى بأن لملم باقة صغيرة وقدمها إلى رباب
الجميلة ذات الشقرة الأخاذة والصوت الرخيم، والتي بدت في فستانها الطويل
المكشكش، وسروالها الأحمر كحورية من بلاد الشمال. أوقف غيلان الجعفي النفخ
في شبابته، واستبانت خريطة جديدة للمكان وتراجعت كل معالم غويران. وساأل
والده مستفهماً:‏


-أتبعد قرية /عين الغار/ كثيراً عن هذه القمم؟ وهل أمنت لنا فيها مطرحاً؟!‏

سرح الأب ناظريه في تلك الآفاق الجبلية وأجاب مبشراً:‏

-وراء هذه
التلة المتجهة صوب الغرب، وبين هذه الصدوع سنحط رحالنا كما كان أجدادنا
البداة يرتحلون في المكان، ويضربون خيامهم طلباً للماء والمرعى لإبلهم. أما
تذكر أن لي ابن عم اسمه بدر الجعفي يسكن هناك، وله يد تطول في هذه
الناحية، ويملك حواكير واسعة، ويدير أملاك الأغوات في عين الغار وقد أمن
لنا بيت الدفش بجانب قبة الشيخ نجم الريحان.‏


التهم أيوب
السارح/مرتسمات تلك التضاريس، وغيب باصرته في تلك الفجوات الشاقولية، جبل
الشعرا الغربي ينزلق في انحدار، ويكوّن هوات سحيقة ومطلات، ويتهاوى أحياناً
في بطء فتنبسط في تهاديه سطوح مستوية لأرضٍ كلسية وبازلتية تعشش بين
منعرجاتها القرى الراكعة تحت أقدام القمم، وما وراء الشق الجبلي الشمالي،
ترامت قرى أكثر تحضراً، مآذن تبرق في الفضاء بنصاعتها، وبيوت مشرعة للشمس
والريح، مبنية من حجارة مصقولة كأبنية آل مبارك، وطريق مفروش بالأسفلت
يتلوى بين القرى كتلوي أفعى شديدة السواد. وما وراء الشق الجنوبي، تتعربش
قرى ذات طابع تخلفي، مبنية بالطين، وحجارة الدفش غير المنحوتة، كأن حضارة
الإنسان الحديث لم تمسها، ولم تزل راكنة في الظل التاريخي كما هي حال
غويران الوطا وبين الشقين المنفصلين، ينحدر نهر سيلي من أعلى الجبل، ويختفي
وراء الروابي الساحلية. وكانت الغابات الحرجية، تركن حول ضفاف النهر،
الحور والصفصاف الباكي، وعرائش الدوالي والشربين وجفنات الغار، وفي السفوح
تمتد غابات الصنوبر والسنديان والأشجار البرية، على وحشيتها الأولى. وفي
نهاية الأفق الغربي البعيد، تلاصق زرقة السماء مويجات البحر، والشطآن التي
تبدو كأسطول بحري يهمُّ بالإبحار صوب محيطات مجهولة، وندّت عن غيلان الجعفي
شهقة طويلة وأومأ مسائلاً:‏


-أين تكمن في وضوح، قرية عين الغار من هذه التضاريس؟‏

-في الشق الجنوبي، وعلى السفح الموازي للنهر‏

-يظهر أن هناك فرقاً حضارياً شاسعاً بين الشقين‏

غاص
إبراهيم الجعفي في المرتسمات الكائنة أمامه، وشخصت أمامه المفارقات بكل
دراميتها. الإهمال المتعمد الذي نزل على رقاب الجرود الساكنين في الناحية
الجنوبية من النهر، الدروب الوعرة بين الصخور، السطوح الترابية التي تنمو
فوقها الحشائش وتسبب ثقوباً شتوية، يسري من بين بلانها وسقفها البلل الدائم
والوكف اللعين، ويضطر ساكنوها إلى طليها كل عام ودحرجتها حتى تستوي مثل
الكف، وهتف كمن يريد أن يقنع نفسه:‏


-هذا قدرنا، وتلك قسمتنا منذ الآف السنين، ولن نجد مهرباً مما كتب لنا في اللوح المحفوظ.‏

وأشار إلى
السنديانة الرابضة على المنعطف الشرقي من عين الغار والتي تجاور قبة الشيخ
نجم الريحان وتنفتح على النهر السيلي الذي يفصل بين عالمين وأردف قائلاً:‏


-هناك
سترسو سفينة عمركم، وتجدون مستقراً لكم وسط جماعة من المستضعفين في الأرض
أمثالكم. الاضطهاد الأسود الذي حاق بنا قد حاق بهم، وتقشرت جلودنا في القفر
كما تقشرت جلودهم، وترسبت في أذهاننا جميعاً صور الحصار المر كالزقوم.
الذكريات المعجونة بالنفي والتشرد والأيام الجائعة المكرورة التي صهرتنا في
مأساة واحدة.‏


أغرقت
العائلة في صمت مهيب، لم يقطعه إلا صوت حوافر الدواب التي يسوقها /جابر
الخليط/ وهي ترتطم بحصباء الدروب الصخرية، وتطقطق لتدوم الصمت المأزوم،
وكانت شمس المغيب، قد انحنت صوب الزرقة البحرية لتغطس فيها، وراحت تلملم
بقايا أشعتها الغافية على رؤوس الجبال، وتشكل نوافير من الغبشة البنفسجية
والحمرة القانية، تنذر بالرحيل كأنها تودع عالماً من الأرض لتبزغ في مكان
آخر، كما حال آل الجعفي الذين ودَّعوا أمكنة قديمة ليبزغوا في مكان ما من
هذا العالم الراكد، حيث يفقس الناس كالبراغيث، ويمضون أعمارهم مصلوبين على
جدر العيش البائس ومناطحة الواقع التعيس، لعلهم يقدرون أن يثقبوا كوى جديدة
في هذه الجدر التي ترين بظلالها الكثيفة وقتومها، على مشروعات حياتهم
القصيرة التي تتبدد في تأمين العيش، وانتزاع اللقمة المغموسة بالدم،
ومحاولة تحريك هذا الواقع الكئيب في مجازفة إنسانية إذ يظل الإنسان مربوطاً
بين قطبي رحى وثنية تطحن في دوراتها الحيوات، وتبقى المحاولة مفتوحة على
مستقبل تطلع بين ثناياه أجنة فيها قابلية للتغيير وتحطيم نير التابو
والمحرمات، ورفع التكفير، عن أناس، لا ذنب لهم لا أنهم قاوموا بشراسة
الجراد الأصفر التركي الذي اقتطع الأرض وملكها لعناصره، وتمردوا على طغيان
السلاطين، وخوازيقهم ورفضوا- شرائع الغاب التي تحل للقوي الغريب عن الديار
أن يلتهم التراث الأصيل، ويحيل السكان الحقيقيين إلى مسوخ، موصومين بالكفر
والشر، وأن يجمد التاريخ العربي في قوالب عصور الانحدار، ويتمزق مزقاً
تتردى في حمى المسكنة والذل والضياع.‏

</td></tr></table>

<table width="100%" cellpadding="0" cellspacing="0"><tr><td class="posticon" bgcolor="red"><table width="100%" cellspacing="2"><tr><td class="posticon">
</td><td class="posticon">
</td><td class="posticon">
</td><td class="posticon" width="90%">
</td></tr></table></td></tr></table><table style="table-layout:fixed;"><tr><td id="cell_1047012925">



</td></tr></table>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://starlook.alafdal.net
 
خرائب الأزمنة الفصل 6
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خرائب الأزمنة الفصل 14
» خرائب الأزمنة الفصل 15
» خرائب الأزمنة الفصل 16
»  خرائب الأزمنة الفصل 1
» خرائب الأزمنة الفصل 18

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ستار لوك :: الروايات-
انتقل الى: