علي خليفة بن ثابت الحميري، مصور فوتوغرافي وأفلام وثائقية إماراتي، تجاوز نفسه وحدود التصوير المألوف، ليدخل عالم البحار والمحيطات حاملاً معه أجهزته وشغفه، ليعود إلينا محملاً بصور من عالم غريب مليء بالعجائب والنوادر.
(مسارات) التقت الفنان علي خليفة فكشف لها عن تجربته كمصور تحت الماء، وما يرتبط بهذا المجال من تحديات وإيجابيات، كما أقدم إضاءة على العوالم التي يكتشفها من دخلوا أعماق البحار وما تضمه من معجزات الخالق، ومن كائنات لا يزال الإنسان يجهل حتى يومنا هذا الكثير عنها، فإلى التفاصيل.
متى كانت بدايتك مع التصوير؟
كانت الكاميرا والصورة وتقنيات التصوير جزءاً من ثقافتي اليومية في بداية التسعينات، حيث كان شقيقاي من هواة التصوير، وكانا يتحاوران يومياً حول هذا الموضوع وكيفية الحصول على أفضل النتائج، وفي منتصف التسعينات أهداني شقيقي كاميرا (نيكون F100) ، وتلك كانت البداية.
كيف تصف مرحلة البدايات؟
كانت النتائج آنذاك بطيئة، والتكلفة عالية مقارنة باليوم، حيث كان تتطلب تحميض الأفلام زمناً طويلاً، وبالتالي لم يكن بالمقدور التعرف على النتائج إلا بعد مضي بضعة أيام وأحياناً أسبوع، وكانت تكلفة التحميض عالية، وبالطبع لا وجه للمقارنة مع الكاميرا الرقمية التي تعطيك نتيجة الصورة بشكل فوري، وبالتالي فإن إمكان التطوير واكتساب الخبرة في المرحلة الماضية كانت بطيئة وتحتاج إلى الكثير من الصبر والجهد والمال. والسمة الغالبة لجميع الصور التي كنت التقطها آنذاك هي الطبيعة والبحر وأسلوب عيش الناس، واستمرت هذه المرحلة حتى سفري إلى فرنسا.
وشكلت دراستي في فرنسا مرحلة جديدة حيث التحقت بالعديد من الدورات وورش التصوير، وشاركت خلال السنوات الثلاث التي أمضيتها هناك في العديد من المعارض، والتقيت بعدد كبير من المصورين المحترفين، خلال الفترة من 1998 إلى 2002. أما المرحلة الثالثة فكانت بعد عودتي ومتابعة مسيرتي في التصوير حتى عام 2005، حيث طلبت الانضمام إلى جمعية المصورين في ناشونال جيوغرافيك، وعليه طلب مني موافاتهم بصور في ثلاثة حقول، بواقع 12 صورة في المشاهد الطبيعية، و20 صورة في الحياة البرية، وعدد آخر من الصور في الديكور الداخلي، بمعنى آخر اختبار مهارة المصور في التصوير الخارجي والداخلي.
وسرعان ما أرسلت المطلوب في البندين الأول والثاني، عند البند الثالث توقفت ما يقارب من العام ونصف العام. بعد هذه الوقفة طلبت منهم استبدال البند الثالث بالحياة تحت الماء. وأثار هذا الاقتراح دهشتهم خاصة وأن هذا النوع من التصوير يعتبر من أصعب فنون التصوير.
وهنا ساعدني تدريبي السابق على الغوص منذ عام 1996، وما تعلمته من والدي خلال طفولتي عن جميع كائنات البحر المعروفة لدينا، في تأهيلي للتصوير تحت الماء. وبعد مضي عامين وبدعم من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، تمكنت من تطوير مهاراتي ووصلت إلى نتائج كانت مرضية بالنسبة لي، وبت عضواً في الجمعية.
ما هي أسباب ندرة المصورين تحت الماء؟
السبب الرئيسي الأول يتمثل في التكلفة العالية لمعدات وأدوات التصوير، ومن ثم لياقة الغواص البدنية، التي يعتمد فيها على المدة الزمنية التي يحتملها الغواص تحت الماء من خلال استهلاكه أقل قدر ممكن من الأكسجين تبعاً للعمق الذي ينزله، إلى جانب التقنيات المتعددة التي على المصور تعلمها، فلكل ارتفاع درجة ضوئية مختلفة تتطلب منه معايير خاصة بالإضاءة والعدسات.
ولا بد أن أشير هنا إلى أنه يفترض بالمصور أن يكون مرشدا أو دليلا لنفسه، ابتداءً من دراسة الطقس والمنطقة، إلى سلوك وحياة ودورة الحيوان أو الكائن المتواجد في منطقة التصوير، كما عليه دائماً وأبداً أن يضع سلامته أولاً، مهما كانت اكتشافاته تحت الماء نادرة واستثنائية.
هل لك أن تحدثنا عن بعض مخاطر هذا النوع من التصوير؟
من أبرز المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المصور، استغراقه في تصوير جماليات وروائع ما أبدعه الخالق في ذاك العالم من كائنات وألوان وطبيعة يعجز العقل عن تصورها، وهذا الاستغراق ينسيه الزمن المحدد لخروجه قبل نفاذ كمية الأكسجين، ومن جهة أخرى فإن الجهل بدورة حياة بعض الكائنات، قد يشكل خطراً على حياته في بعض المواسم. وكمثال على ذلك أنثى القرش عندما تكون حاملاً، حيث على المصور احترام مساحة الأمان بينه وبينها والتي يجب ألاّ تقل عن مترين.
وماذا عن الإيجابيات؟
جماليات عالم البحار تدفع الإنسان للاقتراب بصورة أكبر من الله، فهذا العالم يحفل بالكائنات المتناهية في الصغر، والألوان البديعة للشعب المرجانية والمخلوقات التي يعجز اللسان والقلم عن وصف روعة جمالها.
وخلال رحلات الغوص التي غالباً ما تكون إلى شرق آسيا واستراليا، أنسى نفسي وأعيش في عالم من السكينة والجمال، ربما أشبه بعالم الصوفيين.
ما هي أبرز نتائج خبراتك؟
قدمت الكثير من الصور لكائنات بحرية نادرة، واللقطات الفنية الخاصة بتشكيلات بعض المخلوقات كالأسماك التي تسير في أسراب، وفي الأفلام الوثائقية صورة فيلم (غواص غزة) عام 2010، ومعلقة الاتحاد لسمو الشيخ حمدان محمد بن راشد آل مكتوم في العام نفسه.
مشاريعك المستقبلية القريبة؟
أعد حالياً لمعرض خاص بصوري تحت الماء، وقد أنجزت 60 ٪ منه، حيث أعمل على ثيمة خاصة بكل مجموعة، ربما خلال رحلتي غوص قادمتين سأتمكن من إكمال عدد الصور المطلوبة.
هل يمكن أن تحدثنا بصفتك الأمين العام لجائزة حمدان الدولية للتصوير الضوئي عن العوامل التي دفعت إلى تقديم هذه الجائزة؟
تأتي رؤية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، ترجمة لأقوال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، (إن أكبر استثمار للمال هو استثمار في خلق أجيال من المتعلمين والمثقفين)، حيث تدعم الجائزة كافة الموهوبين والعاملين في حقل التصوير، وتقدم لهم فرصة المنافسة والإبداع في هذا المجال الفني والثقافي، كما أنها واحدة من أكبر المسابقات في هذا المجال، ويحمل شعار هذه الدورة عنوان (حب الأرض).
