إطفاء نار الحاسد بالإحسان إليه
اللهم صلِ على محمد آلِ محمد وعجل فرجهم
اطفاء نار الحاسد بالاحسان اليه
من أصعب الاسباب على النفس ، وأشقها عليها ،
ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله ، وهو :
إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي ، بالإحسان إليه
فكلما ازداد أذىً وشراً وبغياً وحسداً ازددت له إحسانا ،
وله نصيحة ، وعليه شفقة ،
وما أظنك تصدق بان هذا يكون ، فضلا أن تتعاطاه
فاسمع الآن قول الله عز وجل
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ،
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
وقال تعالى
{أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ
بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }القصص54
وتأمل حال النبي صلى الله عليه واله
وسلم إذ ضربوه قومه حتى أدموه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول
( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )
كيف جمع في هذه الكلمات أربع مقامات ، من الإحسان ،
قابل بها إحسان إساءتهم العظيمة إليه ؟
أحدها : عفهم عنه
والثاني : استغفاره لهم
والثالث : اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون
والرابع : استعطافه لهم بإضافتهم إليه ، فقال ( اغفر لقومي )
واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ، ويطيبه إليها وينعمها به .
اعلم أن لك ذنوبا بينك وبين الله ، تخاف عواقبها ،
وترجو أن يعفو عنها ، ويغفرها لك ويهبها لك ،
ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة ، وحتى ينعم عليك ويكرمك ،
ويجلب إليك من المنافع والاحسان فوق ما تؤمله ،
فإذا كنت ترجو هذا من ربك ، وتحب أن يقابل به إساءتك ،
فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه ، وتقابل به إساءتهم في حقك
يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك ، جزاء وفاقا ،
فانتقم بعد ذلك ، أو اعف ، وأحسن واترك ،
فكما تدين تدان وكما تفعل مع عباده يفعل معك .
فمن تصور هذا المعنى ، وشغل به فكره ، هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه .
وهذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله معيته الخاصة ،
كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
للذي شكى إليه قرابته ، وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه فقال
( لا يزال معك من الله ظهير ، ما دمت على ذلك )
هذا ما يتعجله من ثناء الناس عليه ، ويصيرون كلهم معه على خصمه .
فإن كل من سمع أنه محسن إلى ذلك الغير ،
وهو مسيء إليه ، وجد قلبه ودعاءه وهمته مع المحسن على المسيء ،
وذلك أمر فطري ، فطر الله عليه عباده ، فهو بهذا الإحسان ،
قد استخدم عسكرا لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه إقطاعا ولا خبزا .
هذا مع أنه لابد له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين :
إما أن يملكه بإحسانه ، فيستعبده وينقاد له ، ويذل له ، ويبقى الناس إليه
وإما أن يفتت كبده ويقطع دابره ، إن أقام على إساءته إليه
فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه ،
ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة ، والله هو الموفق والمعين ، بيده الخير كله ،
لا اله غيره ، وهو المسؤول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه وكرمه .
نسألكم الدعاء
منقول