منتديات ستار لوك
منتديات ستار لوك
منتديات ستار لوك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ستار لوك


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 وجع الجذور

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
BaSmA iBrIz

BaSmA iBrIz


انثى عدد المساهمات : 1387
تاريخ التسجيل : 04/03/2011
العمر : 25
الموقع : /https://starlook.alafdal.net

وجع الجذور Empty
مُساهمةموضوع: وجع الجذور   وجع الجذور Emptyالجمعة 12 أغسطس 2011, 12:15

وجع الجذور

يتساءل عارف وهو طفل، ما هو وجع أمه، ولم يتساءل أبداً ما هو وجع أبيه حتى كبر.‏

كان أقرب إليها منه، فهي كانت تقضي معه وقتاً كبيراً، وقلما يرى والده في البيت كما يراها.‏

يدخل الدار سعيداً يترنح أو يترنم أو يغني، وأمه عبوسة متوجسة. ما يعرفه هو أن أباه من أسرة ذات شأن في البلد وفي تاريخها. لم يكن أبوه فقيراً، بل يملك عقارات عديدة إلى جانب اسم العيلة، إلا أنه بعد أن درس في مكتب عنبر، وتعلم اللاسلكي، واشتغل حقبة موظفاً في الإنتاج الزراعي، يتقن التركية والعربية، ولكنه عاش في مطالع القرن مرحلة الشباب. وولد في أواخر القرن الماضية على الأرجح (1891م).‏

مات وله من العمر أربع وخمسون سنة (1945). مات بذات الرئة التي أصبح الشفاء منها اليوم أمراً ميسوراً باستخدام البنسلين والمضادات الحيوية الأخرى، لكن البنسلين لم يكن مستخدماً إلا في دوائر محدودة أيامئذ، وحين أصيب المستر تشرشل في آخر سني الحرب الكونية الثانية بذات الرئة شفي من الداء بالبنسلين أما والده الذي أصيب بالداء نفسه في نفس التاريخ فلم يكن هذا الدواء متاحاً لعامة الناس عندما خطفه الموت.‏

لا يعرف والده إلا باسم "فايز بك" فالكل ينادونه كذلك في الحارة، في العائلة الكبيرة، في العمل في الملهى.‏

وبطاقة هويته ظل اللقب فيها، يقترن بالاسم عارف بك، حتى جاء عهد الشيشكلي فألغى الألقاب. لكن غالباً ما كان يتساءل كيف ينادونه في الحارة عارف بك حتى الكبار من الرجال وهم على حال معيشية بألف خير من الحال التي هو فيها على الحديدة؟!‏

يعترف ويعترفون أن والده كان كريماً حاتمي الروح أريحية ومرحاً، فكيف أصبحوا على الحديد. وفرغت كفاه من أحب شيء إليه ألا وهو البذل للآخرين طعاماً وشراباً ولهواً.‏

لقد تزوج قبل أمه السيدة ميسون بنت ياسين بك. وكانت غنية جداً. على الأغلب بسيطة وساذجة كامرأة دمشقية. أما والده فكان على مستوى العصر يأخذ دائماً مكانه ويملأ ثيابه. والفلوس وسخ الدنيا ليس لها قيمة المهم أن يكون ميسوراً، كاس وطاس خضره وماء وشكل حسن.‏

يطرب للغناء والفن دائماً مع جوقة من الشباب، كلهم على طاولته يأكل ما يشتهي ويشرب ما يحب. ولكثرة ما يملكه من عقارات خصص واحداً من الدور التي يملكها للتسلية واللهو.‏

ظل أربعين عاماً يبيع مما يملك ويعيش في أثواب النعيم دون أن يعمل عملاً ثابتاً. حتى أتى على كل ثروته، فلم يعد يملك شروى نقير.‏

لقد أنجبت لـه ميسون أربعة أورد ثلاث بنات وصبياً اسماه مروان، أخواته من أبيه كانوا ينادونه سيدي وكذلك أخوه، أما أمه فكانت تناديه بأبي مروان، أما عارف وأخوته فينادونه بابا أو "بييّ"‏

كانت جدته لأبيه قد أحست أن والده وعمه جواد الذي يقولون في العائلة إنه يشبهه كثيراً، يعاقران الخمرة إلا أنها لم تستطع أن تتلافى الأمر.‏

وزوجته قبل أمه ميسون لم تكن مؤهلة للتعامل مع رجل من هذا النوع، كان يمكن للزواج أن يصلح من شأنه. إلا أن الفراغ والثروة ومرحلة الحرب الأولى وزوجة لا تتسع ولا تتساهل وتتسامح مع رجل كهذا جعلت وضعه يتفاقم، حتى أصبح يصرف وقته خارج البيت أكثر من الوقت الذي يصرفه داخله.‏

وحين اكتشفت الزوجة ذات الحسب والنسب والغنى حقيقة الزوج. أخذت تستقبله بأن تسفح عليه سطل الماء من شباك البيت إذا آنست أو اشتبهت أنه يترنح.‏

لقد توفاها الله إلى رحمته وتركت لـه ولأولاده الأربعة ميراثاً ضخماً، خاناً في سوق الحرير، ومحلاً كبيراً في مدخل سوق الحميدية يستأجره بائع سجاد، وبيتاً في زقاق بندق قرب الشهداء، بالإضافة إلى بيت كبير في القيمرية من بيوتها التاريخية ذات الغرف الكثيرة الواسعة والقاعات الرخامية الكبيرة. بالإضافة إلى ما ورثه من أبيه وأمه وأخيه، بيوت في زقاق التكريتي، ضيعة في حرستا فدادين كثيرة في بستان الحجر. وكل ذلك مثال مما تذكره الذاكرة، لا حصر لآلة حاسبة.‏

وحين نفدت ثروته، عمل تاجراً وقام بمشاريع تجارية عدة كلها خسرت وفتح دكاناً في سوق الخجا القديم "نوفيته" ثياب وحاجات. إلا أنه لم تكن لديه روح التاجر ففلس.. مع أن صغار التجار عملوا ثروات طائلة في الحرب العالمية الثانية من تضخم رساميلهم لغلاء الأسعار للبضاعة التي في مخازنهم ومحلاتهم، وبعدها فتح مكتباً عقارياً لبيع وشراء واستئجار الدور. ويقبض أجره على ذلك نسبة مئوية. كانت زوجته أم عارف تقول رزقته موسمية يوم شبعة ويوم جوعة.‏

والأدهى من ذلك أنه باع حصة أخي مروان لبعض ما يملك ليرسمل هذه التجارة الخاسرة فجنى على بعضه، وجنى على البعض الآخر مروان نفسه شد تجارة أخرى خاسرة مع شريك نصاب استخدم زوجته الجميلة لتوقع به فسلم ما بقي لـه من الذهب منوماً مسلوباً.‏

أخوته كن على مستوى محافظ من الأخلاق والتربية. وأن أخاه مروان شعلة من الحيوية والذكاء درس في العازرية وأتقن الفرنسية، وأطاع والده إطاعة عمياء. لكن ككل الذين يملكون ثروات عن طريق الإرث ضيع الجزء الأكبر من حياته وهو يعتمد على ما يملك، وحين نفدت ثروته شمر عن ساعد الجد، وعمل في مكتب عقاري بعد أن تغرب إلى فلسطين سيراً على الأقدام أثناء الحرب الكونية الثانية واشتغل مع الإنجليز وحين عرف بوفاة أبيه عاد واستقر وتزوج واشترى بيتاً من جهده الخاص.‏

تزوجت أخواته من أبيه صغاراً، كان الزواج أيامئذ لبنات الأربعشر. وأنجبن البنات والبنين الكثار وبنوا أسراً سعيدة.‏

وظلت عائدات مواريثهم من الخان والمحل الكبير في سوق الحميدية وبيت زقاقٍ بندق تؤول إليه حتى أواخر الحرب الثانية، لأن ما يكسبه من مكتب العقاري، أجاراً واستئجاراً وبيع أرض وعقارات لم يكن كافياً، والحركة الاقتصادية كانت تعاني من الركود بسبب الحرب والاحتلال.‏

وقبل أن يتوفى بعام أو ربما في نفس العام الذي توفى فيه، استرجعت الأخت الكبرى حقها في العائدات، وحين كان يعيدها لا يذكر فيما إذا كان العيد الصغير أم الكبير. استمهلها والده لما هو فيه من عسر ولكنها رفضت ذلك مما أغضبه كثيرا إلى درجة الدعاء علينا وسمعه يقول: "الله يغضب عليك". حين توفت زوجته الأولى، وله منها أربعة أطفال، كان من الصعب أن يتزوج بنت أربعة عشر رغم ثروته الطائلة واسم العيلة وكان على ما يبدو مهموماً بمن يعتني بأطفاله الأربعة، كما كانت أمه بالإضافة إلى الأولاد مهمومة بإصلاح شأنه. وككل السيدات الدمشقيات تحسب أن الزواج سترة ومسؤولية.‏

كانت خالة أم عارف تتردد عليهم فهي مربية وطباخة جيدة، فسألتها أم فايز يا أم إبراهيم أريد عروساً لفايز بك من تحت دياتك، فقالت أم إبراهيم: أي ما تكرمي عيونك وفي بالها قادرية أمه.‏

قادرية بنت الشيخ داوود الرفاعي وزليخا عرفه تزوجت في أواخر الحرب الأولى ضابطاً عثمانياً بعمر لا يتجاوز الأربع عشر عاماً أو يقل وقد زوجتها خالتها لطفية وهي ممرضة في مستشفى المواساة في خدمة الجيش العثماني أثناء الحرب، زوجتها هي وبنت خالتها بدرية وهما في ميعان الصبا والشباب وفي رونق العمر وحيويته، من أجل لقمة العيش من ضابطين تركيين استشهدا في المعارك. أمه تقول: "في حرب السفر برلك كان الناس يفلون روث الدواب عن حبات الشعير ليأكلوها".‏

الزواج لم يدم غير بضعة أشهر أغلبها بعيد عن الزوج وهو في خط النار، إن هو إلا زواج من أجل اللقمة والسترة، لذا لم يكن هناك إنجاب ولا أطفال.. فكان من اليسير على قادرية وبدرية أن يعيدا الكرة. ويتزوجا من أبناء العلائلات الكبيرة والأكابر. قادرية تزوجت فايز بك من آل الدمشقي العائلة المشهورة. ولم يكن قد مر على ميسلون وذكراها وقت طويل. وبدرية من دار العجلوني وكان زواجاً خصباً منجباً لكن سعادته كانت مسروقة ومتقطعة لا من الحرب هذه المرة بل من ورطة الوجود ومآزق النفس الإنسانية، تقول أم عارف تزوجته لأنه ابن عيلة.. لكنني لم أكن أعلم عن شربه شيئاً.‏

ولأنها كانت ابنة شيخ صوفي كانت تقية ورعة تحب العلم حباً جماً وتتفانى من أجله.‏

ربت أبناء زوجها وتعهدتهم بالعناية حتى تزوجن، فبادلوها حباً بحب مع مزيد من الاحترام بالجميل، وكان أخوه الأكبر من أبيه مروان يناديها "ياد" كما يناديها أولادها وهي كلمة "أمي" بلهجة الأكراد الدمشقية، ولم تكن لدى أخوته عقدة الخالة مرت الأب، لأن قادرية اكتشفت مبكراً أن الثروة إن هي إلا وهم. أما اسم العيلة فكانت تعتد به. كانت جدته لأبيه على علاقة حميمة بها، وتذكرها أمه بالخير.‏

أمه كردية لكنها لا تتكلم الكردية، إلا بعض جمل وكلمات.. كذلك خاله وجده.‏

جاءت الأسرة إلى الشام في هجرة مبكرة, وأبوه ابن عائلة كبيرة سليل باشوات عملوا في الإدارة العثمانية في الوظائف العليا وقد لعبت العيلة دوراً وطنياً كبيراً بدءاً من مطالع القرن التاسع عشر، فقد سقط منها شهيدان في حي الميدان دفاعاً عن الأهالي من تعسف الانكشارية المركزية، وهذان الشهيدان هما حمزة ومحمد على الأغلب كما يذكر بدري الحلاق في يومياته إن لم تخن الذاكرة.‏

عمه يروي أن عائلة الدمشقي من أصل عربي، إلا أنهم ذهبوا إلى أضنة عملاً أو تجارة أو هجرة لكنهم عادوا عن طريق الإدارة العثمانية إلى الشام في وظائفها كانكشارية مركزية لهم اقطاعات مخصوصة.‏

والحق أن العائلة تهتم أكثر ما تهتم بشرف الوظيفة أو المهنة والكفاية الذاتية والتفاني في خدمة القضية الوطنية. فالأخلاق والوطن والإسلام هي الركائز الثلاث التي تتردد على أفواه أفرادها كلهم مكتفون، لكن بينهم الغني ولكنهم جميعاً يعتزون باسم العيلة كروح اجتماعي مشترك لا كعنصر أو دم.‏

كانت هدنة الأشهر الحرم رجب وشعبان ورمضان بالنسبة لفايز بك تنتهي في وقفة العيد، وحين يضرب المدفع إيذاناً بالعيد تقول قادرية لعارف: أبوك يدفع اليوم أي يطلق مدافع الكؤوس وفي عيد عام 1945 بعد أن احتفل مع شلة من أصحابه على مذهب شوقي أمير الشعراء.‏

رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق‏

بينما كان عائداً إلى البيت في وجه الصبح دخل إلى حمام ليستحم وجلس على مصطبة بيت النار فاختمر جسمه بالبخار ومع جهجهة الضوء خرج من الحمام وكان الطقس شديد البرد فأصيب بذات الرئة.. وبقي في الفراش أسبوعاً وطلب من عارف أن يصنع لـه الليموناضة فكان ينام تحت قدميه ويواظب على تلبية طلباته فاشتدت الحمى عليه وكان يعاني قصوراً في الكبد فتوفاه الله وهو يقرأ القرآن عن ظهر قلب، وحين اشتدت عليه سكرات الموت خرج إلى الحارة يركض فحاول عارف أن يمسك به ويرده إلى البيت كان ملك الموت يطارده ولكنه عندما بلغ مدخل الحارة تحول الملك إلى هيأة الخضر، فقال لأبي سليم صهر عارف: ألا ترى الخضر يا أبا سليم فلنرجع إلى البيت سيكون برداً وسلاماً على قلبي.‏

ومات عن أربع وخمسين سنة ولم يكن لدى عارف غير قمباز أحمر، فلم يلبس السواد..!!!‏

وصلت الشموع إلى نهاياتها فانطفأت، ولم يعد لدى سيدة الفانتازيا من بخور، وقارب الليل منتصفه فاستأذنتها وخرجت على أمل اللقاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://starlook.alafdal.net
 
وجع الجذور
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ستار لوك :: الروايات-
انتقل الى: