ننسى في زحمة الحياة أننا يجب وبالضرورة أن نسقي أولادنا فلذات أكبادنا حباً وحناناً واهتماماً، والأمر مهم ، لا لشيء إلا لأن العطاء الوجداني هام للطفل ، بالضبط مثل الأكل والشراب إن لم يكن أكثر، ففي ظروف الحياة المعقدة والمتشابكة ، نجد أولادنا مشتتين يخيم عليهم شبح الإهمال العاطفي والجوع النفسي والظمأ الوجداني الذي قد ينعكس على سلوكياتهم وعلى نمو شخصياتهم فيما بعد، وإذا دققنا النظر لوجدنا أن كثير منا يرفض طفله وينبذه ويعامله كشيء دون أي حقوق أو مطالب، وأيضاً نجد أننا بدافع الحب نعزل طفلنا ونمنعه من التواصل مع الأطفال الآخرين بدعوى الحرص عليه، كذلك فنحن نخوّف طفلنا، نفزعه ونرعبه فنولد عنده إحساساً قاسياً بعدم الأمان ، والأخطر من كل ذلك أن بعضنا ـ أحيانا ـ يتجاهل الطفل بحرمانه من كل المثيرات الاجتماعية الشيقة اللازمة لنموه الإنساني . أما آخر هذه الأخطاء التي قد نقع فيها فهي إفساد الطفل بمعنى تقديمه إلى أوساط غير سوية من الممكن أن تقوده بسهولة إلى الانحراف .
إذا فهمنا كل الأمور السالفة الذكر ووعيناها وعملنا على تلافيها لاستطعنا تجنيب أطفالنا ويلات شرور كثيرة تظهر في صورة العدوانية والعنف وعدم القدرة على التأقلم مما يؤدي إلى أمراض كثيرة أخطرها الإدمان، ما لا يعرفه كثير من الآباء والأمهات عن الإهمال العاطفي، وأهمية الغذاء الروحي هو حصيلة البحوث الأخيرة ألا وهو الآثار الجسدية الحيوية والتي تنعكس على الطفل المحروم عاطفياً ، فهذا الطفل لا يملك القدرة على النمو الجسدي دون أي سبب عضوي مما حدا بالبعض من العلماء إلى تسمية هؤلاء الأطفال بالأقزام نفسياً أو الأقزام المحرومين . هذا الحرمان العاطفي لا يأتي فقط من العوامل السالفة الذكر لكنه يتكون نتيجة مشاهدة الصراع بين الأب والأم ومعايشته والإحساس به ويتكون أيضاً نتيجة انحسار الحب والحنان والدفء الأسري بسبب عدم الترابط.
إن الطفل عجينه تتشكل حسبما تشكلها البيئة المحيطة فعلينا أن نتعلم ألا نرفضها وألا نرعبها ولا نحرمها، ألا نفسدها وألا نضغطها فلا تكبر ولا تنضج . علينا أن نجتمع لنأكل سوياً ونخرج سويا ً، أن نتحاب وأن نختلف في الرأي لا في المبدأ فهذا هو أساس الأسرة الصحية والبذرة التي تغذينا كلنا أطفالاً وكباراً بالغذاء الروحي.