يرتكز مشروع إصلاح الدستور المغربي الذي أعلن عنه الملك المغربي محمد السادس في خطابه الأخير الأربعاء على سبع نقاط أساسية على رأسها توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها من خلال تقوية صلاحيات الوزير الأول، والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة.
وبالإضافة إلى الشق السياسي، أوصى العاهل المغربي بتكريس الطابع التعددي للهوية المغربية الأمازيغية باعتبارها "رصيدا لجميع المغاربة" وهي إشارة ترد للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
بيد أن هذا الإصلاح المرتقب لن يمس "ثوابت" الأمة التي أكد العاهل المغربي أنها "محط إجماع وطني وهي الإسلام، وإمارة المؤمنين والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية".
دستور جديد
وفي أولى الإشارات الدالة على رغبة النظام المغربي في تجسيد هذا التعديل الدستوري الذي وصفته أطراف داخلية بالتاريخي في حين انتقدته أخرى ووصفته بـ"الدستور الممنوح"، سارع الملك محمد السادس أمس إلى تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور حيث أسند رئاستها إلى الخبير القانوني عبد اللطيف المنوني.
وسيتعين على هذه اللجنة أن تنتهي من أشغالها بحلول شهر يونيو/حزيران المقبل حيث سيتم عرض "مشروع الدستور الجديد على الاستفتاء الشعبي"، من دون أن يُحدد موعد هذا الاستفتاء.
وتأتي هذه المبادرة من الملك محمد السادس باعتباره "أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة" (الفصل 19 من الدستور المغربي) في سياق انقلبت فيه معادلة الحكم إقليميا رأسا على عقب حيث تمت الإطاحة بكل من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس المصري حسني مبارك فيما تعيش دول أخرى في نفس المحيط على صفيح ساخن وعلى رأسها ليبيا واليمن والبحرين.
وقد دفع هذا السياق العربي الشباب المغربي إلى الخروج في مظاهرات في العشرين من الشهر الماضي بعد سلسلة من المظاهرات والمسيرات، دعت إليها حركة شبابية تُسمي نفسها "حركة 20 فبراير"، وهي نفسها الحركة التي دعت عبر فيسبوك إلى تنظيم مظاهرات جديدة في 20 مارس/آذار 2011.
ورفع هؤلاء الشباب حزمة من المطالب أبرزها إقرار إصلاحات سياسية عميقة من بينها "دستور ديمقراطي".
فصل السلط
ينص الدستور المغربي على أن المغرب ملكية دستورية ذات برلمان منتخب لكن الدستور يخول للملك صلاحيات واسعة منها حل الهيئة التشريعية وفرض حالة الطوارئ.
ويقول الفصل الرابع والعشرون من الدستور المغربي الحالي إن "الملك يعين الوزير الأول (رئيس الورزاء)".
كما "يعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، وله أن يعفيهم من مهامهم كما أنه يعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها
وبالإضافة إلى هذه الصلاحيات، يحق للملك -وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة- حل مجلسي البرلمان أو أحدهما (الفصل 27)، كما يمكن له أن يعلن حالة الطوارئ.
تقوية التنفيذية
في المقابل، أفرد الدستور الحالي عددا من الفصول للحديث عن صلاحيات الوزير الأول الذي تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين تحت مسؤوليته (الفصل 61) ويحق له التقدم بمشاريع القوانين (الفصل 62) بالإضافة إلى تحمله مسؤولية تنسيق النشاطات الوزارية (الفصل 65).
ويعرض الوزير الأول المغربي أمام كل من مجلسي البرلمان (النواب والمستشارين) البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويكون هذا البرنامج موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين قبل التصويت عليه بالثقة.
من خلال ما سبق يرى المراقبون أن مؤسسة الوزير الأول ضعيفة بالمقارنة مع الصلاحيات الممنوحة للمؤسسة الملكية.
في ظل هذه المعطيات، وارتفاع الأصوات الداخلية المطالبة بالإصلاح، والحد من النفوذ السياسي والاقتصادي للملك ومحيطه، جاء الإعلان عن توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية.
فخلافا لما هو حاصل حاليا، سيتولى الوزير الأول المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، بحسب ما أعلنه العاهل المغربي.
ولعل من بين أهم النقاط في المشروع المقترح هو تكريس "تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب وعلى أساس نتائجها" ما يعني احترام نتائج صناديق الاقتراع.
وتهدف هذه الرؤية الإصلاحية إلى بث نفس جديد في الحياة السياسية من خلال الاعتماد على مبدأ المحاسبة خاصة وأن أصواتا كثيرة داخليا تنتقد غياب أي محاسبة للأداء السياسي سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
يرتكز مشروع إصلاح الدستور المغربي الذي أعلن عنه الملك المغربي محمد السادس في خطابه الأخير الأربعاء على سبع نقاط أساسية على رأسها توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها من خلال تقوية صلاحيات الوزير الأول، والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة.
وبالإضافة إلى الشق السياسي، أوصى العاهل المغربي بتكريس الطابع التعددي للهوية المغربية الأمازيغية باعتبارها "رصيدا لجميع المغاربة" وهي إشارة ترد للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
بيد أن هذا الإصلاح المرتقب لن يمس "ثوابت" الأمة التي أكد العاهل المغربي أنها "محط إجماع وطني وهي الإسلام، وإمارة المؤمنين والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية".
ملكية برلمانية
وفي قراءته لهذا الجانب من التعديل المقترح، قال مدير نشر صحيفة أخبار اليوم المغربية، توفيق بوعشرين إن الملكية بموجب ذلك "تتخلى عمليا عن جزء كبير من صلاحيتها".
وأضاف في تصريح للجزيرة أن الحكم في المغرب "يقترب إلى حد ما من نظام ملكية برلمانية، يسود فيها الملك ولا يحكم، حيث يفوض سلطاته إلى الوزير الأول، والبرلمان. وإلى حكومة قوية".
دسترة الأمازيغية
لقد حقق المغرب خلال السنوات الأخيرة بشهادة المتتبعين قفزة نوعية تجاه الاعتراف بالثقافة الأمازيغية كمكون أساسي من مكونات الثقافة المغربية من خلال إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وإقرارها لغة ضمن المقررات التعليمية، وإطلاق قناة رسمية خاصة بها.
وقد تضمن الخطاب الأخير للملك محمد السادس إشارة قوية في هذا الاتجاه حيث دعا إلى "التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة".
وفيما يبرز أهمية هذا العنصر، جاءت الأمازيغية في المرتبة الأولى على مستوى المرتكزات ألأساسية السبعة للإصلاح الدستوري متقدمة على مبدأ الفصل بين السلط وإصلاح القضاء.
ويأتي الإعلان عن دسترة هذه اللغة ليدعم التوجه الذي أعلنه الملك محمد السادس -بعيد توليه الحكم- في خطابه بأجدير سنة 2001 حيث أكد أنها مكون أساسي من مكونات الثقافة المغربية، وأن النهوض بالأمازيغية يعد مسؤولية وطنية.
معلوم أن الحركة الأمازيغية في المغرب -التي يعتبرها البعض ثقافية ويصنفها آخرون سياسية- تطالب برد الاعتبار إلى اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة "وطنية" تلفت الانتباه لكثير من مظاهر الحيف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي خلال العقود الماضية.
وتنامت المطالب مع وفاة الملك الحسن الثاني في 1999، حيث وقعت أكثر من عشرين جمعية أمازيغية بيانا شهيرا طالب بالأمازيغية لغة رسمية بمقتضى الدستور.
تعزيز الجهوية
سيشمل الإصلاح الدستوري نمط التسيير الإداري للمملكة عبر منح مزيد من السلطات للحكم المحلي في مختلف الجهات، وتقوية ما يعرف في المغرب بالجهوية.
وقد تضمن خطاب العاهل المغربي التأكيد على أن تطبيق الجهوية سيكون في "نطاق وحدة الدولة والوطن والتراب، ومتطلبات التوازن، والتضامن الوطني مع الجهات، وفيما بينها".
وستتمتع المجالس الجهوية التي سيجري انتخابها، بسلطة تنفيذ مقرراتها، بدلا من العمال والولاة الذين يعينهم الملك حاليا بموجب الدستور والذين يتمتعون بسلطة واسعة أمام المنتخبين.
ضمن هذا الإطار، يأتي الإعلان عن هذا التعديل الدستوري المرتقب بعد عام من إعلان العاهل المغربي تنصيب لجنة استشارية لبحث مشروع "الجهوية الموسعة".
وسيتيح تطبيق نظام الجهوية الموسعة، لكل إقليم إدارة نفسه بنفسه مع احترام خصوصية كل منطقة تمهيدا لتطبيق مقترح الحكم الذاتي في الصحراء الغربية
دستور ممنوح
على مستوى ردود الفعل، وبينما رحب عدد كبير من الأحزاب والتيارات السياسية الممثلة في البرلمان المغربي بخطاب العاهل المغربي بشأن تعديل الدستور، اعتبرت جهات معارضة على رأسها جماعة العدل والإحسان المبادرة بغير الكافية، وقالت إن عهد الدساتير الممنوحة قد ولى.
وقال الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، فتح الله أرسلان إنه "بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات الشعبية العارمة التي قوبلت بعنف مخزني شرس يأتي خطاب الملك معلنا تدبيرا رسميا" هو "دستور ممنوح".
وفي تفسير هذه النقطة، أوضح أن قرار الملك "كان فرديا بدءا من تعيين اللجنة وتحديد شروطها ومعاييرها وقيودها ورسم دائرة تحركها وسقفها الزمني والحسم في نتائجها".
وقال أرسلان إن "صلاحيات الملك والتصرفات السياسية والاقتصادية للمؤسسة الملكية ومحيطها يمثل جوهر المشكل، بل هي كل المشكل، فكيف تكون هي كل الحل?".